img 3573 original

العمامة المرفوعة في ذاكرة السويداء

في ساحة الكرامة وسط السويداء، ارتفع الشيخ مرهج الشاهين على الأكتاف ثم خلع عمامته ولوّح بها أمام الحشود. لم تكن الإيماءة استعراضاً عابراً، بل إشارة كثيفة المعنى إلى فداحة الانتهاكات التي تطال أبناء السويداء وإلى وجعٍ عام يتراكم مع كل خرق يصيب المدينة وأهلها.

هذا الفعل لم يكن حدثاً عابراً، بل امتداداً لذاكرة جماعية متوارثة لدى أبناء السويداء.

ارتبط خلع العمامة تاريخياً بلحظاتٍ حاسمة. ففي عام ١٩٠٦، وضع الشيوخ عمائمهم على أرض المضافة بقيادة أبو علي مصطفى الأطرش تعهداً منهم بالدفاع عن كرامة المدينة، ثم في ٢٠ تموز ١٩٢٥ رُميت العمائم مجدداً قبيل معركة الكفر ضد الاحتلال الفرنسي، علامةً على إعلان المعركة.

لكن في الوعي المعاصر، خلع العمامة يُفهم باعتباره إعلاناً عن وقوع انتهاك جسيم بحق فرد أو بحق الجماعة كلها. لحظة رفع العمامة استدعاء لبطولات الماضي، صرخة احتجاج علنية تقول إن الكرامة قد مُسّت وأن الدفاع عنها واجب لا يمكن التراجع عنه.

من هذا المنطلق، حمل فعل الشيخ مرهج الشاهين دلالات أعمق من لحظة احتجاجية. فقد رآه كثيرون استحضاراً لذاكرة المقاومة، وإشارةً إلى أن العادات المتوارثة ما زالت تُستدعى في لحظات الخطر كأداة لحماية المجتمع وصون هويته.

وبين الماضي والحاضر، تظل العمامة في السويداء أكثر من لباس تقليدي؛ إنها راية معنوية تُرفع حين يواجه الأفراد والجماعة انتهاكاً لكرامتهم، وخيط يصل بين رموز الأمس وتحديات اليوم.