تنبيه محتوى: يتضمن هذا التقرير وصفاً لأعمال فنية مستوحاة من عنف شديد. ننشره لضرورات الشهادة والذاكرة العامة، مع مراعاة الكرامة وعدم الإثارة. يعتمد قرار النشر على اختبار المصلحة العامة وسياسة الصور الحسّاسة.
في قلب مدينة شهبا التاريخية، انطلقت أمسية فنية استثنائية حولت السوق القديم إلى مساحة للمواجهة والشهادة. المعرض، الذي حمل عنوان “صرخة” في ٢٩ من أيلول من هذا العام ، لم يكن مجرد تجمع ثقافي، بل كان صرخة بصرية ضد الرعب الذي عاشته المحافظة في تموز من هذا العام، حين تعرض المدنيون لهجمات وحشية شملت الإعدامات العامة، وقطع الرؤوس، واختطاف العائلات من صغار وكبار.
إحدى أبرز المنحوتات كانت لرأس مقطوع يغمره الدم، وهو ما وصفه الفنان وليد نوفل قائلاً: «ما كنت أتمنى يوماً أن أقدم عمل نحتي مغموس بالدم. لكن هذا لم يكن خياراً بل فُرض علينا بعد الحرب المجرمة.» ويضيف: «قدمت عمل رأس مقطوع يسبح بالدماء بعد رؤية ذبح أحد الشباب من السويداء بالسكين كما تذبح الشاة. هذا الشيء جعلني حريصاً على نقل الحادثة بواقعيتها.»


المشهد المأساوي لم يمر من دون أثر، إذ أكد نوفل أن التفاعل كان صادماً: «هذا العمل لاقى تفاعلاً مأساوياً من قبل الناس، حتى الكثير منهم أبدى تأثراً وكان البكاء سيد الموقف وخصوصاً من النساء.» بالنسبة له، فإن هذه الصدمة ضرورية، فهي جزء من مسؤولية الفنان: «أحياناً كفنانين يقع على عاتقنا تسجيل اللحظة والحدث فنياً عبر عمل مجسم… تقصدت أن يكون العمل فيه مباشرة وواقعية حتى يترك صدى عند كل من يراه، حتى تصل رسالتنا ورغبتنا في محاسبة من ارتكب فعلاً إجرامياً.»
إلى جانب هذه المنحوتة، عرض نوفل عملاً آخر يجسد نعشاً فوقه آلةٌ موسيقية، في إشارة مؤثرة إلى الأطفال الذين استشهدوا خلال المذبحة. ويوضح: «الأطفال الذين استشهدوا لم يكونوا فقط متفوقين دراسياً، بل كانوا جميعاً موسيقيين ويعزفون آلة موسيقية، وكانوا فنانين بكل معنى الكلمة.»
الأجواء في المعرض كانت مشحونة بالحنين والغضب معاً، إذ اجتمع الشيوخ والشباب والفنانون وتشاركوا في نقاشات عن دور الفن في مواجهة الظلم، وعن قدرته على إعادة الحياة إلى مدينة تكاد تختنق من صمت الفظائع.



قالت الفنانة ليلى جبر، إحدى المنظمين و المشاركين في المعرض “شرّفنا في الافتتاح حضور وجهاء المنطقة، و كان للمعرض صدى واسع و نجاح ملموس .” وتضيف، “اخترنا هذا التوقيت لتوثيق ما جرى في محافظة السويداء، لتبقى اعمالنا شاهدة على الانتهاكات والجرائم المرتكبة” .
المعرض أثبت أن الفن ليس ترفاً في زمن الكوارث، بل أداة احتجاج وشهادة، تحول المعاناة إلى ذاكرة جماعية، وتجعل الرعب المرئي وسيلة للتعبير عن ألم شعب السويداء، وصرخة ضد كل من تسبب في هذه الأحداث.