السويداء – ٣٠ آب ٢٠٢٥
امتلأت ساحة الكرامة بوجوه تعرف بعضها بعضاً. مئات يتقاطرون ببطء ثم يتحولون إلى موجة واحدة. صور المخطوفين تُرفع مثل نوافذ صغيرة على البيوت الغائبة، وأسماء تُقرأ بصوت لا يريد أن ينكسر. الأصوات تبدأ خافتة ثم تتماسك. ليس استعراض قوة، بل تمرين على البقاء.
في الصفوف الأولى تقف أمهات يحملن الصور مثل شهادات حياة. خلفهن شباب وفتيات يكتبون على القماش كلمات تبدو جديدة على الأذن المحلية. عبارة تقرير المصير تلتمع على لافتة بيضاء. ليست مصطلحاً عابراً. تدخل الساحة بثقلها وتفرض إيقاعاً مختلفاً على اليوم كله، كأنها تعيد تسمية ما يطالب به الناس منذ أشهر.
الهتافات تتعدد. بعضها يريد قطيعة كاملة، وبعضها يطلب حماية واضحة ويداً تمسك بزمام الأمن والمعيشة هنا والآن. لا أحد ينسى المخطوفين. كل اسم يُقرأ يفتح فجوة صغيرة في الصمت، وكل فجوة تُردم بالتصفيق أو الدعاء. بين الجمل المتوترة يمر عابر يحمل خبزاً وعصيراً إلى الصفوف الأولى. تفاصيل يومية تحرس معنى كبيراً.
في الداخل لا يظهر خطاب مضاد. الحذر موجود، والترقب حاضر، لكن الكلمة الأعلى هي كلمة الساحة. من يعترض يفضّل أن يبتلع جملته ولا يضع حجراً في طريق الموكب. خارج السويداء تدور حرب كلمات. اتهامات بالخيانة، عناوين سريعة، شاشات تشتهي لقطات حادّة. الداخل لا يجيب. يواصل السير ويشد اللافتة كي لا تهوي.
ليس كل ما يُقال اليوم يشبه ما كان يُقال قبل شهر. اللغة تغيّرت لأن التجربة تغيّرت. المجازر والاختطاف والحصار الطويل حوّلت النداء من طلب خدمة إلى مطالبة بسيادة على القرار. في الساحة يفهم الناس ذلك ببساطة عملية. من يحمي، من يحاسب، من يفتح الطريق للمشفى والسوق والمدرسة. الأسئلة واضحة والوجوه التي تطرحها أوضح.
بعد بضع ساعات، خفتت الهتافات بقرار واضح لا بتعب. طُويت الصور بعناية وعادت اللافتات إلى أكتاف أصحابها كأنها أمانات تُسترد إلى حين. استعادت الساحة ضجيجها المعتاد، لكن ما دار من كلمات في تلك الساعة بقي معلّقاً في الهواء. الأسماء لم تغادر، والمصطلح الجديد دخل القاموس المحلي ولم يخرج. هذا ما حدث في ساحة الكرامة، وما يكفي ليغيّر الغد.





