صورة غنم على باب الحظيرة | Sheep at the door of the barn

رسالة من عند باب الحظيرة

يا أهل الجبل،
نحن الذين تقابلون عيوننا أول ما تُفتح بوابة الحجر. نقف في الظل ونراقب أيديكم وهي تصلح نافذة، تشد حبلاً، تقيس دقيقة كهرباء، وتخبئ دلو ماء إلى حينه. لسنا خبراً عابراً في نشرات المساء. نحن رغيف الصباح إذا تجبّن، وقدح اللبن إذا وصل بارداً إلى المائدة. وحين يختل هذا الروتين البسيط، نسمعه في ارتباك أقدامنا قبل أن تروه أنتم في السوق.

تعلمنا منكم أن الماء موعد لا رأي فيه. ساعة ضخ واحدة تغيّر يوم قطيع كامل. حين تسكت المضخة، نقترب من المشارب المتعبة وتقل شهيتنا ويبهت مذاق الحليب. نعرف أن الوقود قليل وأن الكهرباء ضنينة، لذلك لا نطلب المستحيل. اطلبوا لنا نظاماً واضحاً للماء. خزاناً مرناً عند طرف القرية، مشارب نظيفة تُغسل كل مساء، ودوراً معلوماً لا يختلط بطابور المدرسة ولا يزاحم جرادل البيوت. إن عرفنا أن دورنا سيأتي، يهدأ القطيع وتنخفض خسائر النهار، ويولد الصغار أقوى وتخف الأمراض التي تحب الماء الآسن أكثر مما نحب نحن المطر.

كان لنا طريق نعرفه كما تعرفون سوق الخميس. نخرج فجراً، نرعى، نعود قبل أن تسخن الحجارة. هذا الصيف تغيّر الطريق. جهة منه انقطعت، فزاد ثمن العلف واختلطت الحسابات. لسنا أصحاب روايات طويلة. يكفينا أن نجد ممراً قصيراً آمناً داخل القرى، وأن نعبر بسرعة وهدوء، وأن نعود إلى ظل الحظيرة قبل أن يشتد القيظ. إن رأيتمونا على طرف الحقول مع أول الضوء فدعونا نعبر ثم نختفي كما جئنا. كل دقيقة في الشمس تعني عندنا ماء إضافياً وكلفة أعلى وقلوباً قلقة لا تنام باكراً.

 dsc3626 edited

المدرسة التي صارت بيتاً مؤقتاً علّمتنا القرب بلا إزعاج. في الساحة الخلفية حظيرة سريعة من خشب قديم وقطعة قماش تخفف الحر. نتعلّم أن نمر قبل أن يستيقظ الأطفال وأن نترك الممر نظيفاً وأن تكون المشارب خطوة أبعد عن المدخل. لا شيء من هذا يُكتب في بيانات، لكنه يصنع فرقاً صامتاً في اليوم الذي يليه. حين يتعايش قدح الحليب مع دفتر الدروس من غير شجار، نعرف أن البلدة ما زالت تعرف ترتيب الأولويات.

الحليب طفل سريع التأثر. يحب الماء النظيف والظل والبرودة. نحن نعطيه من أجسادنا، وأنتم تحمون أنفاسه الأولى. براد صغير يعمل على الشمس عند نقطتين ريفيتين يعيد إلى طريق الحليب نبضه، ولو مؤقتاً. لا نريد شاحنات كبيرة ولا احتفالاً. نريد علبة نظيفة وميزاناً بسيطاً ورحلة قصيرة آمنة إلى معمل يعرف اسم القرية وملحها. إذا وصل الحليب طازجاً إلى صاحبه، يعود السوق إلى ذاكرته أسرع مما تتوقعون. رغيف جبن طازج في دكان واحد ينعش حارة كاملة ويخفف عصبية الكلام عند الظهيرة.

نحتاج أيضاً إلى طبّ قليل وكلام أقل. طبيب بيطري يمر بسيارة متعبة، يترك لقاحاً في موعده، ودواء للطفيليات، ونصيحة قصيرة عن العزل والنظافة. علّقوا عند باب الحظيرة ورقة لا تتعقّد: تاريخ التحصين الأخير، كمية الماء لكل مئة رأس، سعر الشعير اليوم. هذه الأرقام الصغيرة تمنع مرضاً من أن يكبر بصمت، وتمنح المربي حجة أمام نفسه حين يوزع علفاً بالعدل. لا نحب أن نمرض، ليس لأن المرض يوجعنا فقط، بل لأننا نرى القلق في عيونكم حين ينخفض وزننا وتضيع دورة الشبق وتتأخر الولادة عن موسمها.

حين يقل الرعي يزيد العلف. هذه معادلة لا تجادل. إن كان لا بد من العلف فليكن بشراكة واضحة. صندوق صغير يدور بين الأسر الأشد حاجة، قسائم لا تحتمل التأويل، ومراجعة بيطرية سريعة عند كل صرف. حبة شعير في وقتها أرحم من كيس يأتي بعد أن يذبل الصوف وتغور العيون. وإن أمكن، ازرعوا لنا شريط برسيم صغير قرب الماء. العشب القريب ينقذ وقتاً ووقوداً ويخفف ازدحام الطرق التي لا تحتمل مزيداً من الحكايات.

نعرف أيضاً أن السوق يحب الكلمة الواضحة. أعلنوا سعراً أسبوعياً للحليب والشعير على لوحة في الجمعية أو البلدية. السعر المعلن يقطع همس الوسطاء ويمنح المربي قدرة على التخطيط. نحن لا نساوم على مذاق اللبن ولا على نظافة العلبة ولا على الوقت. نعطيكم ما نملك كاملاً. لحمنا وصوفنا وحليبنا. والباقي عليكم. قولٌ يعدل بين الناس، وطريق لا يستهلك أعصاب السائقين، وميزان يطمئن القلوب.

في الليل، هناك من يصلح كابلاً كهربائياً دون أن يراه أحد. وهناك من يجلب خرطوماً مستعملاً يناسب مضخة قديمة. وهناك من ينسّق ساعة ضخ إضافية في الأسبوع من أجل بئر تغذي ثلاث قرى. هذه الأفعال الصغيرة تصنع سياسة أرضية لا تُرفع لها لافتات. سياسة تحفظ دورة اللبن وتقلل المشاحنة قبل أن تبدأ وتحوّل الخسارة الصامتة إلى وفورات صغيرة تتراكم. ومع الوقت، يصبح هذا العرف مرجعاً غير مكتوب. من يخالفه يشعر أنه يعبث بقوت الجماعة لا فقط بقطيع جاره.

نعرف أن بيوتاً كثيرة في السويداء ما زالت تثبت صور شبابها على الجدران وتتعلم كيف يُعاش العزاء من دون أن تتوقف الحياة. لهذا نتكلم بخفوت ونمشي على أطراف الكلام. لسنا هنا لنطلب عطفاً. نطلب ترتيباً يليق ببيت يتقاسم الماء والذكرى. إذا انتظمت السقاية واتسعت ظلال الحظائر وتنفس طريق الحليب بالبرودة، خفت الحدة في الكلام وعاد الجبل إلى عادته في ترتيب اليوم على مهل.

نقترح ما خبرناه بأجسادنا. نقطة ماء نظيفة لا تتغير مكانها كل يوم. مسار قصير داخل القرى يجنّب المدارس ويختصر القيظ. برادات صغيرة لا تشكو كثيراً وتعمل بالشمس حين تغيب الكهرباء. زيارات بيطرية خفيفة لا تتأخر عن مواعيدها. صندوق علف واضح المعايير لا يضعف أمام الرجاء. ورقة معلّقة تعلن سعر الحليب وساعات الضخ كي لا يصبح القرار رهينة هاتف لا يجيب. كل ذلك ليس كثيراً على الجبل، وهو أقل كلفة من خسارة موسم كامل.

إن رأيتم صوفنا نظيفاً وعيننا لامعة وخطونا ثابتاً، فاعلموا أن شيئاً في الخارج عاد إلى مكانه. وإن وضعتم قدح اللبن على المائدة ولم يفسد قبل المساء، فهذه علامة أخرى على أن الطريق استعاد أنفاسه وأن السوق يتذكر أسماءه. نحن قطيع هذا الجبل. نقيس صبرنا على صبركم ونمشي على إيقاع مفاتيحكم وهي تفتح أبواب الحظائر فجراً. إن حفظتم لنا ماءً لا يتقطع، وبرودة لا تخون، وطريقاً لا يجرح، حفظنا لكم قوتاً بلا ضجيج وسبباً بسيطاً لنهار يستحق أن يبدأ. وفي السويداء، يكفي هذا كي يطمئن قلب البيت.


مصادر:

  • الوضع الإنساني والعمليات الإغاثية (قوافل، وقود للضخ، طحين للمخابز، ممر بصرى الشام): موجز «الأزمة الإنسانية في السويداء تموز–آب ٢٠٢٥» يتتبع خط زمني مفصّل لدخول القوافل، بينها شحنات وقود تفوق ١٢٠ ألف ليتر لإعادة تشغيل مضخات المياه ومولدات المشافي، إضافة إلى طحين للمخابز ومستلزمات طبية.
  • انقطاع الكهرباء والآبار المعطّلة داخل المحافظة: مذكرة «السويداء: المستجدات والأولويات» توثق تدهور التغذية الكهربائية إلى نحو ٣ ساعات يومياً وخروج ٩٨ بئراً من الخدمة خلال ذروة الأزمة.
  • صيانة آبار محددة بجهود محلية (بئر ٢٧ داخل المدينة، بئر الأرصاد، آبار صلخد وذيبين والدياثة): التحديث المحلي ضمن المذكرة نفسها يسرد مواقع الآبار التي أُصلحت بالشراكة مع المجتمع.
  • النزوح إلى مواقع جماعية في درعا وريف دمشق وظروف الخدمات هناك: «مسح سريع لمواقع النزوح» (CCCM) يُظهر تقييم ٧٦ موقعاً؛ ٥٨% منها مدارس، مع فجوات مائية (ثلث المواقع دون الحد الأدنى ٢٥ ل/فرد/يوم) ومعايير صرف صحي غير مستوفاة في ثلثي المواقع، ومتوسط كهرباء ٣.٤ ساعات/يوم.
  • تعطّل التعليم واستعمال المدارس كملاجئ وتأثيره على العودة للدوام: رُصد استخدام أكثر من ١٢٠ مدرسة كمراكز إيواء في السويداء ودرعا، مع تحذير من تعقّد استعادة الدوام بسرعة.
  • تأثيرات ثقافية واجتماعية محلية (الحداد العام، تعطّل الشعائر، دور رجال الدين في التهدئة، وتصدّع العلاقات بين المكونات): تقرير «أثر أحداث تموز–آب ٢٠٢٥ على الهوية الثقافية في السويداء» يوثق التحولات الثقافية وحالة الحداد ومآلات الثقة المجتمعية، ويقتبس أيضاً تحديثات أممية وحقوقية موازية.
  • سياق إضافي وأرقام تجميعية (أعداد النازحين، القوافل، خدمات الحماية، جلسات التوثيق المدني): جداول وملخصات ضمن التقرير الثقافي تجمع أرقام OCHA/UNHCR/Protection Cluster حول النزوح والخدمات والتدخلات.
  • تفاصيل قطاعية مكمّلة حول الحماية والمياه والتعليم أثناء الأزمة: لقطات وتقارير تابعة لـUNHCR/OCHA وملخص «CCCM» المشار إليهم داخل الوثائق السابقة. (المراجع مضمنة في الهوامش الداخلية للتقارير المذكورة أعلاه).