c12a7735

ما بعد الافتتاح: كيف تقود الفنون المشهد العام

ثلاثة أيام. ثلاثة وأربعون فناناً. غاليري جديدة تتحول إلى ساحة مدنية.

من ٨ إلى ١٠ أيلول في مدينة السويداء، امتلأت صالة تجمع الفنانين التشكيليين بأعمال تصوير ونحت وتركيبات ووسائط مختلطة. واجهت الأعمال موضوعات الحرب والظلم والأذى الواقع على المدنيين. كان الإقبال كثيفاً حتى إن المكان بالكاد استوعب الزوار.

قال علاء قطيش، خريج فنون جميلة وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين: «المعرض يتناول الحرب والظلم والانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين. التفاعل تجاوز توقعاتنا».

كانت الفكرة التنظيمية للمعرض واضحة. استعادت اللوحات والمنحوتات مفردات من البيئة المحلية مثل درجات لون الحجر البازلتي وملمس الرماد، وظهرت أعمال اعتمدت على أغراض جاهزة تُعاد صياغتها داخل العمل الفني مثل المفاتيح والعلب والأجهزة القديمة. لم يكن الهدف التلهّي عن الواقع أو تجميله، بل مواجهته وتسميته. قدّم الفنانون لغة مدنية تضع الشأن العام في المقدّمة، واستخدموا الشكل واللون والحجم لإعلان الكرامة، وتسجيل الفقد، وإبراز قدرة المجتمع على الفعل الثقافي وصناعة المعنى رغم الضغط اليومي.

بالنسبة لحنان الحلبي، المقيمة في دبي والتي استثمرت في الصالة، كان المعرض أيضاً عودة إلى الجذور. تقول: «أردت أن أربط نفسي بشيء هنا لأنني أحب الفن وأهله. المعرض انعكاس لما عشنا. رغم كل ما مررنا به نستطيع أن ننهض من جديد. انظروا إلينا نصنع فناً من الألم». وتؤكد أن الصالة غير ربحية (صالة نوفا غاليري). وتضيف: «شعرت وكأن الله يقول لي إن قرار عودتي إلى سوريا كان صحيحاً».

قبل أول لوحة، يواجه الزائر لافتة بخط اليد تهدي المعرض «إلى أرواح شهداء الحركة التشكيلية في السويداء» مع ذكر أربعة أسماء. اللافتة ليست تفصيلاً جمالياً، بل مفتاح قراءة يربط القاعة بسيرة تعليم ومثابرة وخسارة حقيقية. تبدأ الزيارة باعتراف ثم إصغاء، ويتحوّل النظر داخل القاعة إلى فعل مدني هادئ لا إلى مشاهدة عابرة.

من البيان إلى القاعة

لم يأت المعرض من فراغ. في ٢٨ تموز أعلن فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في السويداء خطوات داخلية لترتيب البيت المهني وحماية شرعيته، مع الإشارة إلى رحيل فنانين خلال الأحداث. وفي ٥ آب صدر توضيح يؤكد شرعية الفرع المنتخبة ويشرح تعليق التواصل مع المكتب التنفيذي إلى حين تنظيم الشؤون. بعد ذلك بأسابيع قليلة فقط، فُتحت القاعة وازدحمت بالزوار. هذا التسلسل من موقف مكتوب إلى مآذارة علنية يكشف جاهزية شبكات محلية قادرة على تحويل القرار إلى فعل خلال زمن وجيز.

تفسير هذه السرعة لا يقوم على عنصر واحد. هناك روابط مهنية قريبة بين مشاغل وصالات وأصدقاء المهنة تقلّل زمن التنظيم وتفتح الطريق أمام برمجة سريعة. وهناك لغة بصرية تسمّي الألم من دون الانزلاق إلى سجالات شعاراتية، فتوسّع دائرة الحضور وتعيد الانتباه إلى الجوهر. كما أن الكلفة العملية لعرض جماعي قابلة للاحتواء عندما يُعاد تقديم أعمال منجزة أو تُستكمل خلال وقت قصير. والأهم أن القاعة تُفهَم اجتماعياً على أنها غرفة عامة للمدينة، مكان للطمأنينة والاعتراف المتبادل، لا مجرد جدار للعرض.

لغة الفرع في بيانَيه كانت مهنية ومباشرة، تستند إلى شرعية منتخبة وترتيب واضح للعلاقة مع المركز. حين خرجت هذه اللغة من الورق إلى القاعة خلال أسابيع قليلة، تعزّزت قناعة الجمهور بأن المؤسسة الثقافية جزء من النسيج المدني للمدينة. هكذا عاد إلى الواجهة نموذج بسيط وضروري في أوقات الشدة: تنظيم محكم، رسالة واضحة، وفعل متاح للعموم.

في حصيلة المشهد، قدّم الفن في السويداء درساً سريعاً في الاستجابة المسؤولة. موقف مبكّر، توضيح مؤسسي، ثم غرفة مكتظة بالناس يشهدون معاً على واقعهم ويصوغون ذاكرتهم. اللافتة على الباب وضعت البوصلة الأخلاقية، والأعمال منحت اللغة التي يحتاجها المكان، والسلوك المؤسسي أمّن الإطار الذي يتيح استمرار الفعل. هكذا قادت الفنون المشهد العام، لا لأنها تمتلك حلول كل شيء، بل لأنها وفّرت الآن مساحة ثقة تُبقي الكرامة والذاكرة في متناول المدينة.

c12a7707 (1)

الإهداء

أُهديَ المعرض إلى أربعة فنانين راحلين من السويداء كان لعملهم وتعليمهم أثر مؤسّس في المشهد المحلي.

بطاقات تعريف موجزة

توفيق شيا
مصمّم وفنان من السويداء تخرّج في كلية الفنون الجميلة بدمشق. عُرف بابتكارات وظيفية وأجسام فنية تحمل فكرة واضحة وتعيد تشكيل المواد اليومية. جمع في تجربته بين منهج تصميمي يركّز على الإنسان وروح اللعب النحتي، وأسهم في إلهام جيل شاب من المبدعين.

عبد الله العِك
نحّات من ريف السويداء وعضو اتحاد الفنانين. يعمل أساساً على البازلت والرخام. من أبرز أعماله «دلّة» عربية عملاقة منحوتة من صخرة بازلتية واحدة، إضافة إلى قطع عامة تستلهم الذاكرة الاجتماعية والحجر المحلي.

عدنان مهنا
عميد طيار وفنان تشكيلي من السويداء، حاصل على دكتوراه في العلوم العسكرية. قدّم معارض فردية وجماعية، منها سلسلة «آفاق وأعماق» في قصر الثقافة بالسويداء، وتستكشف لوحاته الحركة والمنظر والانضباط البصري للطيران.

ربيع البعيني
رسّام ومربٍّ فني من السويداء. قدّم معرض «مزاج علني» في دمشق عام ٢٠١٤ ثم في السويداء. تميل أعماله إلى الطبيعة والدراسات النباتية، مع تجريب تقني يوازن بين الرهافة والحضور. ساهم في التعليم الفني في مدارس المنطقة.