darrejha

نفس جديد: تدور الدواسات ضد وطأة الحصار

وسط الحصار ونقص الموارد وتصاعد التوترات، تقدم مبادرة ركوب الدرّاجات التي يقودها المجتمع حلاً عملياً وعملاً هادئاً من أشكال التحدي، لتثبت أن الحياة والتضامن يستمران حتى في ظل ظروف شبيهة بالحصار.

تبقى السويداء، في جنوب سوريا، محافظة تحت ضغط شديد. بعد أشهر من الصراع، تعيش تحت وطأة ظروف تشبه الحصار: تقييد للحركة باتجاه دمشق، وصول محدود إلى القرى المحيطة، وتفاقم الوضع الإنساني المتمثل في نقص الوقود والدواء والاحتياجات الأساسية، وهو ضغط بطيء وثابت يختبر صبر وتحمل المدنيين يومياً.

ومع ذلك، وسط نقص الوقود والدواء وصعوبة التنقل، يظهر إيقاع جديد: دوران عجلات الدراجات. ففي ١٩ أيلول ٢٠٢٥، نظم فريق درّجها للدراجات الهوائية فعالية مجتمعية تحت شعار “نَفَس جديد”. وما قد يبدو للوهلة الأولى نشاطاً ترفيهياً بسيطاً كان في الواقع فعلاً ذا دلالة عميقة.

ركوب الدراجات هنا أكثر من مجرد ترفيه. لقد أصبح ضرورة وبياناً في الوقت نفسه. مع ندرة الوقود وارتفاع تكاليف النقل، توفر الدراجات بديلاً عملياً. لكن بعيداً عن الوظيفة العملية، أصبحت أيضاً تعبيراً عن التحدي، دليلاً على أن المجتمعات يمكنها التكيف والمثابرة وحتى العثور على الفرح وسط الشدائد.

جمع الحدث الرجال والنساء، الأطفال وكبار السن، بمشاركين تتراوح أعمارهم بين اثني عشر وثمانين عاماً. وتم توزيع جوائز من الدراجات لتشجيع تبني ركوب الدراجة ليس فقط كآلية للتكيف، بل كتحول ثقافي نحو الاستدامة والصحة والتضامن المجتمعي.

وأكد مؤسس الفريق الدكتور لبيب عريج، وهو محاضر في كلية التربية (قسم الإرشاد النفسي)، أن هذه المبادرة ليست سوى البداية. يخطط الفريق لإقامة مهرجان سنوي في ٣ حزيران احتفالاً باليوم العالمي للدراجات، إلى جانب الأنشطة الشهرية المنتظمة منذ تأسيس الفريق في ١ كانون الثاني ٢٠٢٥. وقد انطلقت مبادرة “درّجها” أساساً بفضل الشاب “عبّودة”، المقيم حالياً في الإمارات، وبدعم من والده المدرب بسام عبد الباقي. واليوم، يواصل الفريق النمو كمنصة لبناء أنماط حياة أكثر صحة، وتعزيز التضامن المجتمعي، وزيادة الوعي البيئي.

قصة مبادرة “درّجها” ليست مجرد رياضة. إنها عن محافظة تحت الضغط تجد طرقاً للتغلب عليه، لمواجهة سياسات الانقسام بأفعال التضامن، وللتنفس الجماعي رغم الظروف الخانقة.

في الثورة الهادئة لدوران عجلات الدراجات، توجه السويداء رسالة لبقية سوريا وما بعدها: الحياة مستمرة، المجتمع صامد، والمرونة أقوى من الحصار.

ويكتسب هذا الفعل المحلي صدى أوسع. فقد واجهت السويداء تصاعداً في خطابات الكراهية، والتهديدات الطائفية، والتوترات السياسية التي تعكس تاريخ المدينة الطويل من الانتفاضات والمطالبة بالحق في تقرير المصير. ومع ذلك، بدلاً من الانغماس في اليأس، يرد المجتمع بإيماءات من الوحدة والشمولية. ويصبح مهرجان ركوب الدراجات، في هذا السياق، إعلاناً مدنياً: أن الكرامة والمرونة يمكن أن تزدهر حتى في ظل الحصار.